((بسم الله الرحمن الرحيم))
"انهض وبادر"
الحمد لله الذي قسّم خلقه إلى تقي أواب، همته طلب الخيرات والاكتساب، وبغيته الزلفى إلى الله والاقتراب (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الأَلْبَابِ) (الزمر من الآية 18)
وفاجر كذّاب همته مصروفة إلى اللهو والطعام والشراب، يُعمّر جسمه وقلبه خراب، فكيف إذا كُشف الحجاب وحق عليه قول رب الأرباب: (وَرَأَوُا العَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ) (البقرة:166)
وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الوهاب، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ( نعم العبد إنه أوّاب) صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى الآل والأصحاب.
أما بعد:
فإن ارتقاء الأمم وسموها يكون بقدر ما عند بنيها من قوة علمية نظرية، وقوة العزم والإرادة العملية، ولله في كونه سنن لا تتبدل ولا تتغير ولا تجامل ولا تحابي ؛ فمن جد وجد ، ومن سار على الدرب وصل:
قلّ مَنْ جَدّ في أمر يحاوله واستصحب الصبر إلا فاز بالظفر
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :العامة تقول قيمة كل امرئ ما يحسن، والخاصة تقول: قيمة كل امرئ ما يطلب. اهـ، وقال ابن الجوزي رحمه الله تعالى: وما تقف همة إلا لخساستها، وإلا فمتى علت الهمة فلا تقنع بالدون، وقد عُرف بالدليل أن الهمة مولودة مع الآدمي، وإنما تقصر بعض الهمم في بعض الأوقات، فإذا حُثّت سارت، ومتى رأيت في نفسك عجزا فسل المنعم، أو كسلا فسل الموفق فلن تنال خيرا إلا بطاعته.
اجتمع عبد الله بن عمر، وعروة بن الزبير، ومصعب بن الزبير وعبد الملك بن مروان في فناء الكعبة فقال لهم مصعب تمنوا فقالوا: ابدأ أنت، فقال: ولاية العراق، وتزوّج سكينة، وعائشة بنت طلحة بن عبيد الله فنال ذلك وأصدق كل واحدة خمس مئة ألف درهم و جهزها بمثلها. وتمنى عروة بن الزبير الفقه وأن يُحمل عنه الحديث فنال ذلك، وتمنى عبد الملك الخلافة فنالها، وتمنى عبد الله بن عمر الجنة ، وتلك همم القوم وآمالهم.
وآيات كتاب ربنا تعلي الهمم وتزرع في النفوس قوة العزيمة:
فهذه آيات من كتاب الله تعالى أرجو أن تتدبرها ولن نعلق عليها فهي واضحة المعنى بينة الأثر والمغزى ، يقول الله تعالى:
(وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)، ويقول
سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الفَضْلِ العَظِيمِ)، ويقول
وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ، أُولَئِكَ المُقَرَّبُونَ)، ويقول: (فَفِرُّوا إِلَى اللهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ)، ويقول
وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ المُحْسِنِينَ)،ويقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآَخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ)، ويقول
أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المَصِير، هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللهِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ)، ويقول عن دعاء المؤمنين
وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا)، ويقول
أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)، (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ المَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ).
وأحاديث الرسول تعلي الهمم :
" إن الله تعالى يحب معالي الأمور وأشرافها، ويكره سفاسفها"
" بادروا بالأعمال الصالحة".
" عند الله خزائن الخير والشر، مفاتيحها الرجال فطوبى لمن جعله الله مفتاحا للخير مغلاقا للشر، وويل لمن جعله مفتاحا للشر مغلاقا للخير".
" إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم، كما تراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب لتفاوت ما بينهم"
فلماذا الرضا بالدون ؟ لماذا لا نجتهد أن نكون أسبق الخلق إلى الله فنفوز بخير الدنيا والآخرة؟.
قال رجل لمالك بن دينار: رأيت فيما يرى النائم مناديا ينادي: الرحيل الرحيل، فما رأيت أحدا يرتحل إلا محمد بن واسع ، فصاح مالك: " والسابقون السابقون" ثم غشي عليه.
لماذا العيش في الدنيا بلا أهداف كبيرة ، وربما بلا أهداف أصلا ؟!!. لماذا يكون كل الهم أكلة وشهوة ؟.
يا بائعا نفسه بيع الهوان لو اسـ ـترجعت ذا البيع قبل الفوت لم تخب
وبائعا طيـب عيش مـا له خطر بطيف عيش من الآلام منتهب
غُبنـت والله غبنا فاحـشا ولدى يوم التغابن تلقى غاية الحَرَبِ (الهلاك)
شاب الصبا والتصابي بعد لم يشب وضاع وقتك بين اللهو واللعب
وشمس عمرك قد حان الغروب لها والفيء في الأفق الشرقي لم يغب
وفاز بالوصل من قد جد وانقشعت عن أفقه ظلمات الليل والسحب
كم ذا التخلف والدنيا قد ا رتحلت ورسل ربك قد وافتك في الطلب
أخي: قم وانهض وبادر
إذا لم تكن للحق أنت فمن يكون والناس في محراب لذات الدنيا عاكفون
قال بعض السلف:
إن استطعت ألا يسبقك إلى الله أحد فافعل.
أخي قلّب ناظريك في هذا الكون في هذه الأرض سترى أمتك وقد أحاطت بها الأعداء، وألمت بها المصائب ، في كل وطن جرح ، وفي كل زاوية حكاية تروي قصة الألم، ألا تحركك هذه الأحزان؟ ألا تشحذ همتك وتصنع فيك أخلاق الرجال؟
يا أمـتي عـار تـرّدد أننا أبناء من سادوا الأنام وكانوا
والقدس غارقة يمزقها الأسى ويعيد رجع أنينها الجولان
حتّامَ ينخر في عزائمنا الهوى وتذيبنا الآهات والأحزان
أخي لتكن كلك للإسلام، فإنه دينك لحمك ودمك وعرضك:
سر في الزمان وحدّث أننا نفر شمّ العرانين يوم الهول نُفتقد
عُدنا إلى الله في أعماقنا قَبَس من السموات لا يغتاله الأبد
جئنا نعيد إلى الإسلام عزته وفوق شُمّ الرواسي تُنصب العُمُد
شتان بين الهمتين
فقد كان الأعرابي يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسأله طعمة بعد قليل تذهب فيما يخرجه ابن آدم ، أما ربيعة الأسلمي رضي الله عنه غلام صغير،يعد للرسول صلى الله عليه وسلم وَضوءه ،فيقول له الرسول صلى الله عليه وسلم: "يا ربيعة سلني"،فيقول ربيعة: "أسألك مرافقتك في الجنة...". الحديث.وهذه هي الهمة.
أما محمد الفاتح العثماني رحمه الله تعالى فإنه منذ نعومة أظفاره ربي على حلم غال وهدف عظيم فتح القسطنطينية ، فنشأ واضعا بين عينيه هذا الهدف حتى فتح الله على يديه.
وأما صلاح الدين فقد امتنع من الضحك حتى يحرر الأقصى وبيت المقدس ، وتم له ما أراده وطهر الله به بيت المقدس من رجس الاحتلال الصليبي بعد قرابة مائة عام من الاحتلال.
إيزابيلا والقميص العتيق
حتى الكفار الذين وضعوا أمام أعينهم أهدافا وعلت هممهم وسعوا لتحقيقها تم لكثير منهم ما أراد لان سنن الله لا تحابي كما ذكرنا سابقا،فهذه إيزابيلا أخذت على نفسها عهدا ألا تبدل قميصها إلا بعد إخراج المسلمين من الأندلس وتم لها ما أرادت
قلّ مَنْ جَدّ في أمر يحاوله واستصحب الصبر إلا فاز بالظفر
فهيا أيها الكرام نتحلى بعزائم الرجال لعل الله يغير بنا ، ولنترك الراحة هنا لنرتاح كثيرا يوم نلقى الله
وإذا كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الأجساد